فصل: مطلب على الإنسان أن يتفقد حاله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الغزنوي:

ومن سورة القيامة:
1 {لا أُقْسِمُ}: دخول لا لتأكيد القسم، والإثبات من طريق النّفي آكد، كأنه ردّ على المنكر أولا، ثم إثبات بالقسم ثانيا.
وقيل: المراد نفي القسم لوضوح الأمر. وقيل: هو (لأقسم)، لام الابتداء.
2 {بِالنّفْسِ اللّوّامةِ}: كل يلومه نفسه على الشر لم عمل، وعلى الخير لم لم تستكثر؟
4 {نُسوِّي بنانهُ}: نجعلها مستوية كخف البعير، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللّطيفة.
5 {ليفجر أمامهُ}: يمضي راكبا رأسه في هواه. وقيل: يتمنى العمر ليفجر.
7 {برق الْبصرُ}: بالكسر: دهش، وبالفتح: شخص.
8 {وخسف الْقمرُ}: ذهب ضوؤه كأنه ذهب في خسيف وهي البئر القديمة.
9 {وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ}: في طلوعهما من المغرب، أو في ذهاب ضوئهما، أو في التسخير بهما.
10 {أيْن الْمفرُّ}: الفرار: مصدر، والمفرّ- بكسر الفاء- الموضع، والمفرّ: الجيّد الفرار، أي: الإنسان الجيد الفرار لا ينفعه الفرار.
11 {لا وزر}: لا ملجأ.
13 {بِما قدّم}: من عمل وأخّر: من سنّة.
14 {بصِيرة}: شاهد، والهاء للمبالغة، أو عين بصِيرة.
{ولوْ ألْقى معاذِيرهُ}: ألقى ثيابه وأرخى ستوره، أي: ولو خلا بنفسه، والمعذار: الستر.
17 {إِنّ عليْنا جمْعهُ}: أي: في صدرك، وإعادة قرآنه عليك، أي: قراءته حتى تحفظ ثمّ إنّا نبيّن لك معانيه إذا حفظته.
22 {ناضِرةٌ}: حسنة مستبشرة، وجه نضر وناضر، ونضر اللّه وجهه فهو منضور.
23 {إِلى ربها ناظِرةٌ}: تنظر ما يأتيها من ثواب ربها. عن مجاهد وأبي صالح وعكرمة.
وقيل: {إِلى ربها ناظِرةٌ}: لا تنظر إلى غيره ولا ترجو الحق إلّا من عنده.
وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه: قلنا للنّبي صلى الله عليه وسلم أنرى ربّنا؟ فقال: «أتضارون في رؤية الشّمس في الظّهيرة في غير سحابة؟ أفتضارون في رؤية القمر ليلة البدر في غير سحاب؟ فإنكم لا تضارّون في رؤيته إلّا كما تضارون في رؤيتهما» أي: لا تنازعون ولا تخالفون.
ويروى: «لا تضامون» أي: لا ينضمّ بعضكم إلى بعض في وقت النظر لخفائه كما تفعلون بالهلال.
25 {فاقِرةٌ}: داهية تكسر الفقار.
27 {منْ راقٍ}: من يرقى بروحه أملائكة الرّحمة أم العذاب؟ أو هو قول أهله: هل من راق يرقيه.
29 {والْتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ}: من كرب الموت وهول المطلع. وقال الضحاك: اجتمع عليه أمران: أهله يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.
33 {يتمطّى}: يتبختر، والمطيطاء: مشية يهتزّ فيها المطا وهو الظهر.
34 {أوْلى لك فأوْلى}: قاربك ما تكره، و(وليك) من الوليّ: القرب.
36 {سُدى}: مهملا لا يؤمر ولا ينهى.
37 {تمنى}: تراق. وقيل: تقدّر وتخلق، والمنا القدر. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة القيامة:
عدد 31- 77.
نزلت بمكة بعد القارعة.
وهي أربعون آية.
ومثلها في عدد الآي سورة النّبإ.
وهي تسع وتسعون كلمة.
وستمائة واثنان وخمسون حرفا.
ويوجد سورة البلد مبدوءة بما بدئت به هذه السورة.
ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
قال تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيوْمِ الْقِيامةِ} اتفق أكثر المفسرين عن أن المعنى أقسم لأن العرب تدخل لا على أقسامها فتقول لا واللّه لا وأبيك، والقرآن نزل بلغتهم، قال امرؤ القيس الكندي:
لا وأبيك ابنة العامري ** لا يدعي القوم اني أفر

ويقولون لا ورب الكعبة، ويريدون وربها وفائدتها التأكيد، ويجوز حذفها في غير القرآن، وما قيل إنها زائدة لا أصل له، فضلا عن ضعفه إذ لا زائد في كتاب اللّه لأن كل حرف فيه له معنى لا يتأتي الكلام بدونه كاملا، وما استدل من قوله تعالى: {لِئلّا يعْلم أهْلُ الْكِتابِ} الآية الأخيرة من سورة الحديد، مردود لأن لها مغزى هناك ستقف عليه عند تفسيرها، فضلا عن أنها وسط الكلمة لا في أولها كهذه وكونها ليست للقسم لتفيد المعنى المطلوب في هذه التي للقسم، فهي هناك نافية، وقد تأتي زائدة في أقوال العرب لضروره الوزن في نظم أشعارهم كقوله:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة ** وكاد ضمير القلب لا يتقطع

أما في القرآن فلا، وانظر إلى ما قاله الفراء: إن لا هنا ردّ لانكار المشركين البعث المار ذكره في السورة قبلها لأنه مما يناسب تتابع السور، إذ قد يكون غالبا مناسبة بين الأولى والثانية بعدها من كلمة أو جملة مما ينتبه له من له المام بمعاني كتاب اللّه فكأنه قيل ليس الأمر كما تزعمون من جحود القيامة وعذابها ثم قال أقسم.
وقرأ ابن كثير {لأقسم} بلام التوكيد ولا يرد على هذا القول من قال ان لام التأكيد لابد وأن يصحبها نون التوكيد لأنها تفارقه أحيانا وكلاهما وجيه، وعلى القول بأنها نافية يكون المعنى أقسم بيوم القيامة {ولا أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامةِ 2} إلا إعظاما وتفخيما لهما يكون الغرض إجلال القسم به وتبجيله والأول أولى، وهذا كله تحاشيا عن القول بأنها زائدة إذ ما من حرف في القرآن إلا ويؤدي معنى خاصا، و{اللوامة} النفس التي تلوم صاحبها بعد إيقاعه الفعل المنهي عنه الذي حسنته له والتي تقول له دائما لم فعلت ولم لم تفعل وغيرك يفعل؟

.مطلب على الإنسان أن يتفقد حاله:

قال المغيرة بن شعبة: يقولون القيامة، وقيامة أحدهم موته، وهذه القيامة ليست مرادة هنا واللّه أعلم، وانما هي القيامة الكبرى، لأن سياق الآية يدل عليها ويأبى صرفه لما في قول المغيرة، والأحسن في تفسير اللوامة أن نقول هي التي تلوم صاحبها على مافات منه إن كان خيرا لم لم يزدد منه، وإن كان شرا لم لم يقلع عنه، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم يوم القيامة إلا ندم، إن كان محسنا ندم أن لا ازداد وان كان مسيئا ندم ان لا أقلع»، لأن المؤمن لابد له أن يحاسب نفسه دائما على كل ما يقع منه ويزنه في ميزان الشرع، حتى كلامه المباح وأكله الحلال هل أراد بهما وجه اللّه والتقوي على طاعته أم لا، وينبغي أن يستحقر أعماله واجتهاده في طاعة اللّه لأنه كلما رأى نفسه مزدادة فهي مقصرة إذا عقل قوله تعالى: {وما خلقْتُ الْجِنّ والْإِنْس إِلّا لِيعْبُدُونِ} الآية 56 من سورة الذاريات والآية عامة، وما قيل إن المراد بها نفس آدم عليه السلام، لأنها لمّا تزل تلومه على ما وقع منه، وفرط به لا دليل له عليه، ولا يوجد ما يؤيده، بل هي شاملة لكل نفس، وجواب القسم محذوف تقديره لتكوننّ القيامة ولتبعثنّ فيها وتحاسبون على ما وقع منكم، بدليل قوله عز قوله: {أيحسب الإنسان} الذي ينكر البعث، ولم يؤمن به جحدا وكفرا {ألّنْ نجْمع عظامه 3} بعد تفرقها وصيرورتها رفاتا، واختلاطها بالتراب ونسفها بالرياح، وبعد أن أكلتها الوحوش والطيور والحيتان، يقول الله تعالى: تستعظم علينا أيها الإنسان هذا كلا لا تستكثره على من خلقك من العدم، {بلى} أيها الكافر نفعل ذلك حالة كوننا {قادِرِين على أنْ نُسوِّي بنانهُ 4} عظام رؤوس أصابعه، وإنما خصّ هذه العظام لأنها قوالب النفوس، ولا يستوي الخلق إلا باستوائها، وخص رؤوس الأصابع لأنها سلامات صغار كثيرة لطيفة، ومهما كانت الدقة فإنه جل شأنه، يعيدها لأماكنها، ويؤلفها كما كانت، فإعادة كبار العظام القوية الظاهرة من باب أولى، لأن القادر على الإبداء إبداعا، قادر على الإعادة اتباعا، وهو قادر عليه، وله المثل الأعلى.
فانظر هداك اللّه قبل رقي علم التشريح، هل يوجد أحد يعلم أن أقوى شيء درّاك في الإنسان هو أنامله، التي هي جواسيس الدماغ وانها أدق جوارح الإنسان وأهمها، وإن البشر عاجز عن تركيبها كما كانت، إذا اعتراها ما يوهنها، وان الخطوط التي في رؤوسها لا يشبه بعضها بعضا أبدا، ولهذا اختاروا التوقيع بها بدلا من الختم لأنه يقلد، وهذه لا تقلد، ولهذا ولأمر لا نعرفه ذكرنا اللّه بها، واعلم أن للانسان ثلاثمائة وستين مفصلا، كل واحد منها يسمى سلامى، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل سلامى من الناس عليه صدقة، وفيه تعدل بين اثنين صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة»، رواه البخاري ومسلم، فكما أن اللّه تعالى تصدق بتلك السلامات على عباده فينبغي للعبد أن يتصدق بما استطاع على سبيل الشكر للّه تعالى، على عدد مفاصله التي مكنه منها، وتمكّن بسببها من القبض والبسط والمد، واستخدمها بمنافعه ليدفع عنه حدوث البلاء، لأن الصدقة تدفعه وتزيد في العمر، وتمام الحديث: «كل يوم تطلع فيه الشمس»، أي إن استطاع التصدق كل يوم فليفعل، وفيه وتعين الرجل في دابته فتحمل عليها، وترفع له عليها متاعه صدقة، لأنك إذا لم تفعل ذلك تأخر أخوك المسلم لعدم قدرته بنفسه أن يفعل ذلك، وفيه الكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة أي فمن لم يجد ما ينفق شاكرا على هذا فليفعل ما جاء في هذا الحديث فذلك بمعاملة الصدق بالمال وسبب نزول هذه الآية ان عديا بن ربيعة أو أبا جهل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا محمد حدثني عن القيامة وكيف أمرها وحالها فأخبره صلى الله عليه وسلم فقال لو عاينت ذلك لم أصدقك ولم أومن بك فأنزل اللّه هذه الآية قال تعالى: {بلْ} إضراب وانتقال من معنى لآخر {يريد الإنسان ليفجر أمامهُ(5)} بأن يقدم قبائحه وإذا كان كذلك فدعه ولا تعنفه، وأنى يسمع منك فيرتدع وينزجر وهو يريد الإدمان على الفجور حالا ومستقبلا ولا يريد أن يتوب أو ينزع هما هو عليه ومعنى الفجور في الأصل الميل وسمي الكافر فاجرا لميله عن الحق وكذا الفاسق {يسْئلُ أيّان يوْمُ الْقِيامةِ 6} إلى متى يكون استبعادا له فقل له يا حبيبي يكون ذلك لا محالة {فإِذا برق الْبصرُ 7} شخص عند الموت لما يشاهد من أهواله وعجائبه قال ذو الرمة:
ولو أن لقمان الحكيم تعرضت ** لعينيه ميّ سافرا كاد يبرق

وقرئ {برق} بكسر الراء أي دهش من شدة الفزع {وخسف الْقمرُ 8} ذهب ضوءه بحيلولة الأرض ما بينه وبين الشمس وكذلك كسوف الشمس يكون بحيلولة الأرض بينهما وبين ما تشرق عليه منها.
هذا في الدنيا أما بالآخرة وهو المراد هنا فيذهب ضوءه وضوءها ويسقطان يدل عليه قوله: {وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ 9} بطلوعهما معا من جهة المغرب وذهاب نورهما ثم يسقطان كسائر الكواكب راجع أول سورة التكوير المارة وللبحث صلة في سورتي الانفطار والانشقاق، وهذا لا يكون بالحيلولة كما يقوله الفلكيون ولا شيء آخر مما يقوله علماء الهيئة حيث تضمحل هناك المعارف والعوارف أما ما قاله الملاحون ان خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر فهو انكار لقدرة اللّه القادر أن يجعله منخسفا سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس أو لم تكن لأن الأجسام متماثلة فيصح على كل منها ما يصح على الآخر، واللّه قادر على كل الممكنات والمستحيلات، ومن جملة قدرته إزالة ضوء القمر في كل حال، ولهذا لما كسفت الشمس يوم موت إبراهيم، وقال الناس إنها كسفت لأجله لأنهم يزعمون أنها تنكسف لموت عظيم، أو لأمر عظيم وحادث خطير، قال صلى الله عليه وسلم: «إنهما- أي الشمس والقمر- لا ينكسفان لموت أحد أو حياته، وإنهما آيتان يخوّف اللّه بهما عباده»، الحديث.
قال تعالى واصفا ذلك الوقت العصيب الذي يحار فيه اللبيب، ويذهل عنه البعيد والقريب {يقول الإنسان} المكذب لذلك {يوْمئِذٍ} يوم وقوع هذه الأشياء {أيْن الْمفرُّ} والمهرب والمخلص من هذا فيقال: {كلّا} انزجر وارتدع {لا وزر 11} لا ملجأ يلجأ إليه ولا واق يقي منه راجع الآية (20) من سورة ابراهيم تجد ما يتعلق بهذا، واعلم أن الوزر هو الجبل المنيع، وكل ما يتحصّن به ويلجأ إليه.
قال كعب بن مالك:
الناس آلت علينا ليس فيك لنا ** إلا السيوف وأطراف القنا وزر

وقال الآخر:
لعمرك ما يلقى من وزر ** من الموت يدركه والكبر

وكانوا إذا فزعوا من شيء يلجأون إلى الجبال ولذلك قال ابن نوح عليه السلام: {سآوِي إِلى جبلٍ يعْصِمُنِي مِن الْماءِ} الآية 43 من سورة هود، فتقدم اللّه تعالى لهؤلاء بما يقطع أملهم بأن لا شيء هناك يعصبهم من عذاب اللّه إلا هو، ولهذا قال: {إِلى ربِّك يوْمئِذٍ الْمُسْتقرُّ 12}، أي يكون قرار خلقه يوم فرارهم إليه، وخلاصهم منوط به وحده، لا يشاركه أحد، وهو إما إلى الجنة أو النار لا توسط بينهما، أما أهل الأعراف فسيأتي بيانهم في الآية 46 من سورتهم الآتية، قال تعالى حينذاك {يُنبّؤُا الإنسان يوْمئِذٍ} يوم الحساب والجزاء {بِما قدّم} من أعماله الحسنة والسيئة {وأخّر 13} من آثاره كسنة حسنة سنّها أو وصية خير أوصى بها أو وقف، أوقفه في دنياه، فيفهم هل أراد به وجه اللّه تعالى، فإن كان فيوضع في جملة أعماله الصالحة، وإلا فإن كانت النيّة سيئة والوصية لحب المال، أو كراهية بالورثة أو رياء، فيكون في جملة أعماله الطالحة، ومما يعد مؤخر الولد ان كان صالحا انتفع به وإلا لا، ومما يدل على حسن النية وسوئها قوله عز قوله: {بلِ الإنسان على نفسه} وكافة جوارحه {بصِيرة 14} شاهد لا يحتاج إلى الإشهاد عليه، فهو يعلم مغزى ما يفعل وما يقدم وما يؤخر، والهاء في بصِيرة للمبالغة كعلامة وشهامة فالسمع يشهد بما سمع، والبصر بما ابصر، واليد بما بطشت، والرجل بما مشت، والأنف بما شم، والفم بما ذاق وتكلم، وهكذا فلا يظن انه ينجو إذا كان عمله لغير اللّه: {ولوْ ألْقى معاذِيرهُ 15} كلها بأنواعها وأجناسها فلا ينفعه ذلك لأن شاهده من نفسه قال تعالى: {يوْم تشْهدُ عليْهِمْ ألْسِنتُهُمْ} الآية 24 من سورة النور ومثلها في فصلت الآية 22 وقال تعالى: {كفى بِنفْسِك الْيوْم عليْك حسِيبا} الآية 14 من الإسراء الآتية وانشد الفراء بما يلائم هذا:
كأن على ذي العقل عينا بصِيرة ** بمجلسه أو منظر هو ناظره

يحاذر حتى يحسب الناس كلهم ** من الخوف لا يخفى عليه سرائره

وفسر بعضهم المعاذير بالستور وعليه يكون المعنى ولو أرخى ستوره عند ارتكاب المعاصي لئلا يراه أحد فاللّه يراه وتشهد عليه جوارحه وجاء العذار بمعنى الستر، ومنه سمى الشعر الثابت ما بين الأذن والوجه عذار، ومنه عذار الفرس فانه يستر جزءا من وجهها والأول أولى وأنسب بالمقام، ثم التفت جل شأنه يخاطب رسوله بما يراه يعالجه حين تلقى الوحي فقال: {لا تحرك به} أي القرآن حينما تتلقاه من جبريل {لِسانك لِتعْجل به 16} وتسيء تلاوته على اثر فراغك من سماعه لتوقره في صدرك خشية نسيأنه كلا لا تخف هذا {إِنّ عليْنا جمْعهُ} وإثباته في لبّك الآن وفي المصاحف بعد، حتى لا يفلت منه حرف {وقرآنه 17} وعلينا وبكفالتنا قراءته بلسانك على قومك وان يقرأه من بعدك إلى قرب أن نرث الأرض ومن عليها {فإِذا قرآناهُ} عليك يا حبيبي بواسطة أميننا جبريل {فاتّبِعْ قرآنه 18} قراءته واستمع لها وأنصت فهذا الذي عليك {ثُمّ إِنّ عليْنا بيانهُ 19} لك وان كان صلى الله عليه وسلم في بدء الوحي يحفظ ما ينزل عليه، الخمس آيات والأقل والأكثر ولما حمي الوحي احتاج إلى شدة اجتهاد به حرصا على ان لا ينسى منه شيئا، وكان لشدة حرصه على وحي ربه حال سماعه يتلوه اثر سماعه وإذا أشكل عليه شيء سأل جبريل عنه فقال له ربه لا تتعب نفسك بشيء تكفلنا لك بحفظه وبيان ما فيه من أحكام وحلال وحرام، هذا (وقرآنه) في الآيتين بمعنى القراءة وهي لغة معروفة عند العرب قال ضحوا بأشمط غوان السجود له يقطع الليل تسبيحا وقرآنا أي قراءة.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: «كان صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان مما يحرك شفتيه».
قال ابن جبير قال ابن عباس «أنا أحركهما كما كان صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه فحرك شفتيه فأنزل اللّه هذه الآية، وكان بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق قرأه كما قرأه».
وفي رواية «كما وعده اللّه»، ورواه البغوي من طريق البخاري بزيادة «يحرك لسانه وشفتيه بشدة وكان يعرف منه».
وفيه «فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده».
لذلك فإن هذه الآية كالمعترضة بين ما قبلها وما بعدها كما ترى {كلّا} حقا انكم لا تميلون إلى الآجلة {بلْ تُحِبُّون الْعاجِلة 20} الفانية فتنهكون فيها {وتذرُون الْآخِرة 21} الباقية فلا تلتفتون إليها وكان الأحرى بكم العكس {وُجُوهٌ يوْمئِذٍ} يوم تكون الآخرة التي اخترتم الدنيا عليها {ناضِرةٌ 22} حسنة ناعمة جميلة مضيئة مسرورة بما رأت {إِلى ربها} في جنته العالية {ناظِرةٌ 23} مبصرة مشاهدة عيانا بلا حجاب ولا كيفية ولا كمية ولا ثبوت جهة أو مسافة.
قال في بدء الأمالي:
يراه المؤمنون بغير كيف ** وادراك وضرب من مثال

فينسون النعيم إذا رأوه ** فيا خسران أهل الاعتزال

ومن قال ان {ناظرة} بمعنى منتظرة، فقد أخطأ لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته بل تقول نظرت فلانا أي انتظرته قال الحطيئة:
وقد نظرتكم أعشاء صادرة ** للورد طال بها حوري وتنساسي

وعليه إذا قلت نظرت إليه فلا يكون إلا بالعين، أما إذا قلت نظر بالأمر احتمل معنى تفكر وتدبر بعقله ولأن الوجه إذا وصف بالنظر لا يحتمل غير الرؤية ولا يعدى بإلى إلا إذا كان بمعنى الرؤية.